يُعد الصبر من أعظم القيم الإنسانية والإيمانية التي دعا إليها الإسلام، إذ ذُكر في القرآن الكريم أكثر من مئة مرة، تأكيدًا على مكانته العظيمة في حياة المسلم. فالصبر ليس مجرد تحمّل للمحن، بل هو عبادة قلبية وسلوك راقٍ يعبّر عن الرضا بقضاء الله والثقة في حكمته وعدله.
مكانة الصبر في القرآن الكريم
ورد الصبر في القرآن في 103 موضعًا، منها قوله تعالى في سورة البقرة: “واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين”، وقوله تعالى في سورة آل عمران: “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون”. وهذا التكرار يدل على أن الصبر ليس خُلقًا عابرًا، بل أساس من أسس الإيمان الحق.
الصبر في السنة النبوية
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا”. كما قال ﷺ: “الصبر ضياء”، وقال أيضًا: “ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر”.
وهذه الأحاديث الشريفة تبين أن الصبر ليس ضعفًا، بل هو ضياء يهدينا في ظلمات الابتلاء، وهو طريق الفرج والنصر، كما وعد الله عز وجل عباده الصابرين بالأجر العظيم: “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب”.
أنواع الصبر
- الصبر على الطاعة: وهو الثبات على أداء أوامر الله رغم المشقة.
- الصبر عن المعصية: وهو ضبط النفس ومنعها من الوقوع في الحرام.
- الصبر على البلاء: وهو أعظم أنواع الصبر، إذ يظهر فيه صدق الإيمان وقوة اليقين بالله.
أقوال السلف الصالح عن الصبر
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد.”
- وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال لكان كريمًا.”
- وقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: “يا أهل الإسلام، إن الصبر عزّ، وإن الفشل عجز، وإن مع الصبر النصر.”
- وقال عمر بن عبد العزيز: “ما أنعم الله على عبد نعمةً فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزع.”
- وقال ميمون بن مهران: “الصبر صبران؛ الصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعاصي.”
كلام عن الصبر والثقة بالله
إن الثقة بالله هي الوجه الآخر للصبر، فالصابر لا يصبر إلا وهو موقن بأن الله سيعوضه خيرًا. ومن أجمل ما قيل:
- “لو لم يوجد الألم، لما وُجد الصبر، ولو لم يوجد الصبر لما وُجدت الفضيلة.”
- “إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا.”
- “الصبر هو أن تنظر إلى الشوكة فترى الوردة، وأن تنظر إلى الليل فترى الفجر.”
- “ما أتعس من لا يملك الصبر، فهو كمن يعيش بلا أمل.”
- “عندما تثق بالله، فإن كل ما فقدته سيعود إليك بشكل أجمل.”
الفرق بين الصبر والرضا
الصبر واجب على كل مسلم، بينما الرضا مرتبة أعلى من الصبر. فالصبر هو كبح النفس عن الجزع والاعتراض، أما الرضا فهو أن يتلذذ المؤمن بما قدّره الله له، مؤمنًا أن الخير في كل ما كتب له.
قال ابن القيم رحمه الله: “الصبر: حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط، والجوارح عن اللطم وشق الثياب.”
فالصابر يمنع لسانه من الاعتراض على القضاء، ويكظم غيظه، ويُسلم أمره لله، فينال الطمأنينة التي وعد الله بها عباده: “وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون.”
حكم وأمثال عن الصبر والصمت
- الصبر مفتاح الفرج.
- واصبر فإن الصبر عند الضيق متسع.
- الجزع عند المصيبة مصيبة أخرى.
- دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسًا بما حكم القضاء.
- التأني من الرحمن والعجلة من الشيطان.
- اصبر قليلًا فبعد العسر تيسير، وكل أمر له وقت وتدبير.
- دواء الدهر الصبر عليه.
- صبرك عن محارم الله أيسر من صبرك على عذابه.
- الصبر عند الصدمة الأولى.
- في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
خاتمة عن الصبر
الصبر ليس ضعفًا كما يظنه البعض، بل هو أعلى مراتب القوة الداخلية، لأن الصابر يقهر ألمه بإيمانه. هو جسر العبور من الشدة إلى الراحة، ومن الضيق إلى الفرج. فاصبر، فالله لا يضيع أجر الصابرين، ولعل بعد العسر يُولد اليسر الذي كنت تنتظره منذ زمن.
