تعد ليلة القدر من أعظم ليالي العام وأفضلها على الإطلاق، خصّها الله تعالى بمكانة عظيمة جعلتها خيرا من ألف شهر، كما جاء في قوله تعالى في سورة القدر: ﴿إنّا أنزلناه في ليلة القدر﴾. إنها الليلة التي أنزل الله فيها القرآن الكريم، وهي ليلة مباركة تتنزل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم من كل أمر، ليلة سلام هي حتى مطلع الفجر. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بفضل إحيائها بقوله: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
فضل الدعاء في ليلة القدر
قبل أن نتطرق إلى كيفية الدعاء في ليلة القدر، لا بد من الإشارة إلى فضل الدعاء في هذه الليلة المباركة. فليلة القدر من أعظم ليالي العام التي تستجاب فيها الدعوات، وتغفر فيها الزلات، وتقبل فيها الطاعات، وذلك لما
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث تدل على فضلها ومكانتها.ومن أعظم الأدلة على فضل الدعاء في ليلة القدر، ما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". وهذا يدل على أهمية الدعاء في هذه الليلة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى دعاء مخصوص يدعى به.
كما أن ليلة القدر تأتي في العشر الأواخر من رمضان، وهي أيام وليالٍ مباركة كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها اجتهادا لا يجتهده في غيرها، كما ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر".
آداب الدعاء في ليلة القدر
من ضمن آداب الدعاء في ليلة القدر:
- من أهم آداب الدعاء في ليلة القدر، بل في كل وقت، الإخلاص والصدق مع الله تعالى. فالدعاء عبادة، والعبادة لا تقبل إلا بالإخلاص لله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وما أمروا إلّا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدّين﴾. فينبغي للداعي أن يخلص نيته لله تعالى، وأن يصدق في دعائه، وأن يكون حاضر القلب، مستشعرا عظمة من يدعوه، متوجها إليه بقلبه وقالبه.
- من آداب الدعاء استقبال القبلة ورفع اليدين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء، كما ورد في أحاديث كثيرة. ومن ذلك ما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا، رفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.
- من آداب الدعاء أن يبدأ الداعي بالحمد والثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء. فقد ورد في حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته، ولم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "عجل هذا"، ثم دعاه فقال له: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء".
- ينبغي للداعي أن يلح في الدعاء ويكرره، وألا يستعجل الإجابة، فقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي".
- من آداب الدعاء أن يدعو الإنسان بجوامع الكلم والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي أفضل الأدعية وأكملها وأجمعها للخير. ومن ذلك الدعاء الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في ليلة القدر: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".
- ينبغي للداعي أن يدعو بخشوع وخضوع وتضرع، وأن يستشعر افتقاره إلى الله تعالى، وأن يكون ذليلا بين يديه، راجيا رحمته، خائفا من عقابه. قال تعالى: ﴿ادعوا ربّكم تضرّعا وخفية إنّه لا يحبّ المعتدين﴾.
- من آداب الدعاء اختيار الأوقات المباركة للدعاء، وليلة القدر من أعظم هذه الأوقات. ويستحب تحري ساعة الإجابة في الليل، وخاصة في الثلث الأخير من الليل، الذي هو وقت النزول الإلهي، كما ورد في الحديث الصحيح.
أفضل الأدعية في ليلة القدر
من أفضل الأدعية في ليلة القدر:
- من أفضل الأدعية في ليلة القدر، الدعاء الذي علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". فهذا الدعاء يجمع بين الثناء على الله تعالى بصفة العفو، والإقرار بأنه سبحانه يحب العفو، وطلب العفو منه، وهو مناسب لليلة العظيمة التي تغفر فيها الذنوب.
- من الأدعية المهمة في ليلة القدر، الدعاء بالعافية والمعافاة، فالعافية كنز لا يقدر بثمن. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بقوله: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يديّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي".
- من الأدعية المهمة في ليلة القدر، الدعاء بالثبات على الدين وحسن الخاتمة، فهما من أعظم المطالب. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". وكان يقول: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب".
- من الأدعية المهمة في ليلة القدر، الدعاء بالهداية والاستقامة، فهما سبيل النجاة والفلاح. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت".
- من الأدعية المهمة في ليلة القدر، الدعاء بالرحمة والمغفرة، فهما من أعظم أسباب دخول الجنة. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره". وكان يقول: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم".
أوقات إجابة الدعاء في ليلة القدر
من أوقات إجابة الدعاء في ليلة القدر:
- من أفضل أوقات إجابة الدعاء في ليلة القدر، بل في كل ليلة، الثلث الأخير من الليل، فقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".
- من أوقات إجابة الدعاء في ليلة القدر، بل في كل وقت، ما بين الأذان والإقامة، فقد ورد في السنن عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد".
- من أوقات إجابة الدعاء في ليلة القدر، بل في كل صلاة، حال السجود، فقد ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء".
- من أوقات إجابة الدعاء في ليلة القدر، بل في كل يوم، ما بعد الصلوات المكتوبة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الذكر والدعاء بعد الصلوات، كما ورد في أحاديث كثيرة.
أخطاء يجب تجنبها في الدعاء
من الأخطاء التي يجب تجنبها:
- من الأخطاء التي يجب تجنبها في الدعاء، الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، فقد ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل". قالوا: يا رسول الله، وما الاستعجال؟ قال: "يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء".
- من الأخطاء التي يجب تجنبها في الدعاء، الاعتداء فيه، سواء بالنطق أو بالمعنى. فالاعتداء بالنطق يكون بالتكلف والتشدق والغلو في رفع الصوت. والاعتداء بالمعنى يكون بطلب ما لا يجوز طلبه، كسؤال مقامات الأنبياء والرسل، أو الدعاء بتعجيل العقوبة، أو غير ذلك. قال تعالى: ﴿ادعوا ربّكم تضرّعا وخفية إنّه لا يحبّ المعتدين﴾.
- من الأخطاء التي يجب تجنبها في الدعاء، اليأس وترك الدعاء، ظنا أن الله تعالى لا يستجيب. فالله تعالى قريب مجيب، كما قال سبحانه: ﴿وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان﴾. وقد تكون الإجابة بتأخير المطلوب لحكمة يعلمها الله، أو بدفع مكروه، أو بادخاره للداعي في الآخرة، أو بغير ذلك من وجوه الإجابة.
- من الأخطاء التي يجب تجنبها في الدعاء، الغفلة وعدم حضور القلب. فالدعاء عبادة عظيمة، تحتاج إلى إقبال القلب وحضوره، واستشعار عظمة المدعو سبحانه وتعالى. وقد ورد في الحديث: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ".
نصائح عملية للدعاء في ليلة القدر
من النصائح المهمة عند الدعاء في ليلة القدر:
- ينبغي للمسلم أن يستعد نفسيا وروحيا لليلة القدر، وذلك بتصفية قلبه من الشوائب والأدران، والتوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي، والعزم الصادق على استغلال هذه الليلة المباركة في الطاعة والعبادة.
- ينصح بتحضير قائمة بالأدعية المهمة التي يريد المسلم أن يدعو بها في ليلة القدر، سواء كانت أدعية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أدعية خاصة بأمور يحتاج إليها في دينه ودنياه. وهذا يساعد على تنظيم الوقت واستغلاله على الوجه الأمثل.
- ينبغي للمسلم أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين في ليلة القدر، فالدعاء للآخرين من أسباب استجابة الدعاء. وقد ورد في الحديث: "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل".
- ينبغي للمسلم أن يجمع في ليلة القدر بين الدعاء والعبادات الأخرى، كالصلاة وقراءة القرآن والذكر والصدقة، فهذا أدعى لقبول الدعاء واستجابته. ويمكن تخصيص وقت معين للدعاء بعد كل صلاة، وفي أوقات الإجابة المذكورة سابقا.
- ينبغي للمسلم أن يداوم على الدعاء طوال ليلة القدر، وألا ينقطع عنه، فكلما أكثر العبد من الدعاء واجتهد فيه، كان ذلك أدعى للقبول والاستجابة. ويمكن تقسيم الليل إلى فترات، يخصص في كل فترة وقتا للدعاء، ووقتا للصلاة، ووقتا لقراءة القرآن، وهكذا.
في ختام هذا المقال عن كيفية الدعاء في ليلة القدر، نذكّر بأهمية هذه الليلة المباركة، وضرورة استغلالها على الوجه الأمثل. فليلة القدر فرصة عظيمة للتقرب إلى الله تعالى، ونيل مغفرته ورضوانه، والفوز بعتقه من النار.
.