تعد سلطنة عمان من الدول ذات التاريخ العريق الذي يمتد إلى آلاف السنين. ورغم أنها اشتهرت في العصور اللاحقة بحضارتها الغنية في مجالات التجارة والثقافة والدين، إلا أن تاريخها في العصر ما قبل الكتابة، الذي يعود إلى فترة ما قبل الميلاد، يحمل العديد من الأسرار التي تشير إلى دور عمان البارز في تطور البشرية. خلال هذا العصر، كان سكان عمان يعتمدون على وسائل بدائية للتواصل والتنظيم، وكانوا يعيشون في بيئة غنية بالموارد الطبيعية ومرتبطين بشبكات تجارية وثقافية واسعة. هذا التقرير يستعرض أهم معالم عمان في هذا العصر المجهول ويبين كيفية عيش أهلها وأثرهم في تاريخ المنطقة.
الموقع الجغرافي لعمان:
تقع سلطنة عمان في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، بين البحر العربي من جهة والجبال الداخلية من جهة أخرى. تتنوع التضاريس في عمان بين السهول الساحلية، والجبال المرتفعة، والوديان، مما جعلها مهدًا للعديد من الثقافات والحضارات التي كانت تعتمد على موارد البحر والبر.
السكان في عصر ما قبل الكتابة:
في العصر الذي يسبق الكتابة، كان سكان عمان يشكلون جزءًا من الحضارات القديمة التي انتشرت في المنطقة العربية. هؤلاء السكان كانوا يتألفون من قبائل متعددة كانت تتوزع في المناطق المختلفة من عمان. وكما هو الحال في معظم المناطق القديمة، كانت المجتمعات العمانية تعتمد على النشاطات الأساسية مثل الصيد، والزراعة، والتجارة.
وفقًا للمصادر الأثرية، فقد بدأ الإنسان العماني في العيش في هذا الإقليم منذ العصور الحجرية، أي ما قبل نحو عشرة آلاف عام. تشير الحفريات الأثرية في بعض المواقع العمانية إلى أن الإنسان العماني كان يعيش في كهوف وملاجئ صخرية، حيث كان يقوم بالصيد وجمع النباتات. مع مرور الوقت، بدأ العمانيون في تطوير مهارات الزراعة وتدجين بعض الحيوانات مثل الماعز والماعز البري.
تطور الثقافة والفن:
في عصر ما قبل الكتابة، لم يكن هناك نظام كتابة موحد كما في الحضارات القديمة الأخرى، إلا أن هذا لم يمنع السكان من تطوير ثقافتهم وفنونهم. وتعتبر النقوش الصخرية والفخار الذي تم العثور عليه في بعض المواقع العمانية من أقدم الأمثلة على الفنون في عمان. تم اكتشاف العديد من النقوش الصخرية في مناطق جبلية وصحراوية، مثل تلك الموجودة في جبل حفيت شمال شرق عمان، التي تظهر حيوانات منقوشة بطريقة فنية تدل على اهتمام السكان بالبيئة الطبيعية من حولهم.
كان الفخار جزءًا آخر من الثقافة العمانية القديمة. ويعتقد أن صناعة الفخار في عمان قد بدأت منذ العصور الحجرية الحديثة. وقد تم العثور على العديد من الأواني الفخارية التي كانت تستخدم في الحياة اليومية. الفخار العماني كان غالبًا ما يتميز بزخارف هندسية وأشكال بسيطة تعكس الذوق الفني والتقني للعمانيين في تلك الفترة.
التجارة والاتصال بالعالم:
على الرغم من أن عمان في عصر ما قبل الكتابة لم تكن تحتوي على مدن كبيرة أو حضارات مزدهرة كما كان الحال في مناطق مثل بلاد الرافدين أو مصر، إلا أنها كانت تشكل جزءًا من شبكة تجارية واسعة عبر البحر العربي. تشير الأدلة الأثرية إلى أن العمانيين كانوا يتاجرون مع الشعوب المجاورة في جنوب شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، وكانوا يعتمدون على التجارة البحرية بشكل كبير.
لقد ارتبطت عمان بالحضارات السومرية والأكادية في بلاد الرافدين، وكذلك بالحضارة المصرية القديمة. وكانت عمان تصدر النحاس واللبان، وهي من المواد الثمينة التي كانت تستخدم في الصناعات المختلفة. كان هذا النشاط التجاري جزءًا من شبكة تجارية أكبر تشمل بلاد ما بين النهرين، وبلاد فارس، وحتى مصر القديمة. كما أن عمان كانت معروفة بموقعها الاستراتيجي الذي جعلها نقطة التقاء للعديد من الطرق البحرية التي تربط بين العالم القديم.
المواقع الأثرية في عمان:
تعتبر المواقع الأثرية في عمان شاهدة على تاريخ طويل يعود إلى ما قبل الكتابة. من بين المواقع الأثرية المهمة في عمان، يمكننا ذكر:
- موقع بات الأثري: يُعد هذا الموقع من أهم المواقع الأثرية في عمان، حيث يضم مجموعة من المقابر والمنشآت الحجرية التي تعود إلى العصر البرونزي. تم العثور على العديد من الأدوات الصخرية والفخارية التي تعكس ثقافة سكان عمان في تلك الفترة.
- جبل حفيت: يُعتبر جبل حفيت من المناطق الغنية بالنقوش الصخرية التي تعود إلى ما قبل العصور التاريخية. وهذه النقوش تشير إلى علاقة السكان بالأشخاص والحيوانات والبيئة الطبيعية في ذلك الوقت.
- موقع رأس الجنز: يقع هذا الموقع بالقرب من بحر عمان ويمثل محطة أساسية للبحارة القدامى. تم اكتشاف العديد من الأدوات البحرية التي تشير إلى أهمية البحر بالنسبة للسكان في تلك الفترة.
- موقع صور: في مدينة صور، تم العثور على آثار تشير إلى وجود حضارة بحرية قديمة كانت تعتمد على التجارة البحرية. وتعد مدينة صور من أقدم الموانئ التي عرفها العالم العربي.
الديانات والمعتقدات:
في عصر ما قبل الكتابة، كانت عمان تشهد تنوعًا دينيًا واسعًا. وقد انتشرت بعض المعتقدات والديانات القديمة التي كانت تمارس في المنطقة مثل عبادة الطبيعة، حيث كان السكان يعتقدون بقوى خارقة مرتبطة بالأرض والسماء والشمس. وكان للبحر أيضًا دور مهم في معتقداتهم، حيث كانوا يعتقدون أن البحر يحتوي على قوى روحية تحميهم خلال رحلاتهم البحرية.
رأي الطالب:
رغم غياب الكتابة عن عمان في العصور القديمة، إلا أن الأدلة الأثرية تشير إلى أن سكان عمان في تلك الفترات كانوا يمتلكون ثقافة غنية وفهمًا عميقًا للطبيعة والعلاقات الإنسانية. كما أن ارتباطهم بشبكات تجارية واسعة واهتمامهم بالبيئة المحيطة بهم يعكس صورة حضارية متقدمة كانت تتمتع بالقدرة على التكيف والتطور في بيئة قاسية. هذه العوامل ساعدت على بناء الأسس التي قامت عليها حضارات عمان فيما بعد.
