لا أبالغ إذا قلت إن منزل أهلي القديم في الضيعة هو أجمل مكان على وجه الأرض. الطريق التي نسلكها للوصول إليه، رغم قصر مسافتها، هي أجمل الطرقات وأكثرها بساطة. هذا الجمال لا ندركه إلا عندما نفقده.
كلما زرت لبنان، كنت أدخل إلى ضيعتنا عبر البوابة الخشبية العتيقة، واستعادة الذكريات تتدفق في قلبي. أتذكر منظر تين الشريحة المليح على سطح الدار، وكنت أستمع إلى كل الأصوات التي اعتدت سماعها.
أستشعر الروائح التي كانت تملأ المكان: رائحة دخان الخشب وهو يشتعل في الموقدة، ورائحة الزعتر المدقوق، ورائحة السماء المنثورة تحت أشعة الشمس، ورائحة خبز المرقوق وهو يُخبز على الصاج، وكذلك رائحة برش الصابون.
بين سقف الدار وأرضه، تتراقص أمامي الذكريات: العيون التي حاورتها، والصباحات التي صبّحتها، والمساءات التي أمسيتها، واللمسات التي لمستها.
آه من الذكريات! أشهق شوقًا للماضي. غدًا سأستأنف غربتي، وسأكتم آلامي، وأخفي حنيني بين طيات السنين التي طويتها في دفتر ذكرياتي، إلى حين اللقاء الأبدي.
✒️ بقلم عصام أبو يحيى