خطبة الجمعة: ميلاد الأنبياء وفضل مولد الرسول ﷺ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كثيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَتَاجَ رَؤُوسِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّنَا إِذَا تَأَمَّلْنَا تَمْجِيدَ القُرْآنِ الكَرِيمِ لِلْيَوْمِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ عَدَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَجَدْنَا عَجَبًا. قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي شَأْنِ سَيِّدِنَا يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}، فَكَانَ مِيلَادُ سَيِّدِنَا يَحْيَى مِيلَادًا لِلعِلْمِ النَّافِعِ وَالحُكْمِ الرَّشِيدِ، وَمَفْهُومِ الطُّهْرِ وَالتَّقْوَى وَالسَّلَامِ.
وَكَذَلِكَ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، الَّذِي كَانَ يَوْمُ مَوْلِدِهِ يَوْمًا لِبَرَكَةِ العِلْمِ وَدَعْوَةً لِلْعِبَادَةِ وَالبِرِّ وَالتَّوَاضُعِ. قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِهِ: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُ وَيَوْمَ أمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}.
أَيُّهَا السَّادَةُ! إِنَّ ذَلِكَ اليَوْمُ العَظِيمُ الَّذِي امْتَنَّ اللهُ فِيهِ عَلَى البَشَرِيَّةِ بِمَوْلِدِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، كَانَ مِيلَادَ الرَّحْمَةِ وَالنُّورِ لِلْعَالَمِين. فَقَدْ كَانَ يَوْمُ مَوْلِدِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ مِيلَادًا لِلكَرَامَاتِ وَالفَضَائِلِ وَالجَمَالِ الإِنسَانِيِّ، وَمِيلَادًا لِلأَخْلَاقِ العَالِيَةِ، وَمِيلَادًا لِلْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَالإِيمَانِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ! إِنَّ فَرَحَنَا بِذِكْرَى مَوْلِدِ النَّبِيِّ ﷺ لَيْسَ فَرَحًا مَادِيًّا فَقَطْ، بَلْ هُوَ فَرَحٌ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ! إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ تَشَكُّرًا لِلهِ عَلَى مَوْلِدِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدتُ فِيهِ"، فَلْنَكُونَ شَاكِرِينَ عَلَى نِعْمَةِ وِلَادَةِ سَيِّدِنَا وَحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.