الخطبة الأولى
الحمد لله الذي هدانا إلى صراطه المستقيم بفضله، وأرشدنا إلى سبل الرشاد بمنّه، نحمده سبحانه حمد الشاكرين لنعمه وأفضاله، المقرين بجوده وإحسانه. نشهد أنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، خير من علم وأرشد، جاءنا بالمحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وهدانا بفضل ربه إلى الصراط المستقيم، ثم الرضى عن آل بيته الطاهرين، والصحابة الكرام الصادقين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها الإخوة المؤمنون، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال:
"قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك."
قال صلى الله عليه وسلم: «قل آمنت بالله، فاستقم» .
وفي رواية أخرى: «قل: آمنت بالله، ثم استقم» .
عباد الله، في هذا الحديث النبوي الشريف، سأل الصحابي الجليل سؤالًا يجب علينا جميعًا الاهتمام به. لقد طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدله على قول جامع يحقق له سعادة الدنيا والآخرة، فجاء الجواب مركزًا ويدل على المنهج النبوي في النصح والتوجيه. إذ قال صلى الله عليه وسلم: «قل آمنت بالله، ثم استقم»، وهو قول جامع لكل ما ينفع الفرد والجماعة، ويهدي إلى الاستقامة على الطريق القويم.
أيها الأحبة، يتضح لنا أن الإيمان هو أساس كل شيء، وهو الذي يدفع إلى العمل الصالح والاستقامة. قال الله تعالى:
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا"
أي: «استقاموا بالطاعات واجتناب المعاصي» .
روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» .
والمعنى هنا أن استقامة الجوارح، بدءًا من اللسان، مرهونة باستقامة القلب، وما ذلك إلا إيمان راسخ ينعكس على كل تصرفات الإنسان.
عباد الله، علينا جميعًا أن نحرص على هذا المنهج النبوي، وأن نجعل الاستقامة محور حياتنا. فالاستقامة هي السبيل إلى السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن المبين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الرؤوف الرحيم، اللطيف الحليم، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، عباد الله، قرأ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يخطب على المنبر قول الله تعالى:
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا"
فقال: "استقاموا والله على طاعة الله، ولم يروغوا روغان الثعالب" .
فالاستقامة هي دليل الإيمان الراسخ، وهي الطريق إلى الخير والسعادة. وقد اهتم العلماء منذ القديم بإصلاح القلوب والاهتمام بالأخلاق، ودعونا نكون ممن يسهم في نشر الخير والعمل الصالح.
اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد، وارزقنا الاستقامة على دينك، وأكرمنا بفضل ما وعدتنا من السعادة والطمأنينة.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
