تعد الصلاة أحد أهم أركان الإسلام وأعمدة الدين، وهي صلة العبد بربه ووسيلته للتقرب إليه سبحانه وتعالى. وقد أولى الإسلام اهتماماً خاصاً لصلاة الليل لما فيها من فضائل عظيمة وثواب جزيل، حيث يكون العبد أقرب ما يكون من ربه في جوف الليل. ومن صلوات الليل التي ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة: صلاة التهجد وصلاة القيام. ولكن هل هما صلاة واحدة أم أنهما صلاتان مختلفتان؟ وما الفرق بينهما؟
صلاة التهجد والقيام
يتساءل الكثير من المسلمين عن الفرق بين صلاة التهجد وصلاة القيام، وهل هناك اختلاف في الوقت والكيفية والفضل، أم أنهما مصطلحان لمسمى واحد؟ سنتناول في هذا المقال بشكل مفصل الفرق بين صلاة التهجد وصلاة القي
ام من حيث المفهوم والوقت والمشروعية والفضائل والكيفية وغيرها من الأمور المتعلقة بهما، مستندين في ذلك إلى ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال العلماء والفقهاء.تعريف صلاة التهجد
وقال الإمام النووي رحمه الله: "التهجد هو الصلاة بعد النوم، فلو صلى من أول الليل ثم نام، ثم قام وصلى، فهذه الثانية هي التهجد".
تعريف صلاة القيام
أما صلاة القيام، فيقصد بها عموماً قيام الليل، وهي الصلاة في الليل سواء كانت بعد النوم أو قبله. وتشمل صلاة القيام كل صلاة تؤدى في الليل تطوعاً. وقد وردت الإشارة إلى قيام الليل في القرآن الكريم في مواضع عديدة، منها قوله تعالى: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" (السجدة: 16).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، كما ورد في الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه" (متفق عليه).
الفرق بين الصلاتين
بعد تعريف كل من صلاة التهجد وصلاة القيام، يمكننا توضيح الفروق الأساسية بينهما:
من حيث المفهوم والتعريف
صلاة التهجد: هي صلاة الليل التي تؤدى بعد النوم، أي أن المصلي ينام أولاً ثم يستيقظ ليصلي.
صلاة القيام: هي أعم وأشمل من التهجد، فهي تشمل أي صلاة تطوع تؤدى في الليل، سواء كانت بعد النوم أو قبله.
وبهذا يتضح أن كل تهجد هو قيام، ولكن ليس كل قيام تهجداً. فالتهجد نوع خاص من أنواع قيام الليل يشترط فيه أن يكون بعد النوم.
من حيث الوقت
صلاة التهجد: وقتها بعد النوم، في أي وقت من الليل، ولكن أفضلها في الثلث الأخير من الليل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له" (متفق عليه).
صلاة القيام: وقتها يشمل الليل كله، بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الفجر، سواء كان ذلك قبل النوم أو بعده.
من حيث الكيفية
صلاة التهجد: تصلى مثنى مثنى (ركعتين ركعتين)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى" (متفق عليه).
صلاة القيام: تصلى أيضاً مثنى مثنى، ولكنها تشمل أيضاً صلاة التراويح في رمضان، وصلاة الوتر.
من حيث المشروعية
صلاة التهجد: مشروعة طوال العام، وهي سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
صلاة القيام: مشروعة أيضاً طوال العام، ولكنها تتأكد في شهر رمضان المبارك، حيث تسمى بصلاة التراويح.
من حيث الفضل
صلاة التهجد: لها فضل عظيم، وقد وصفها الله تعالى بأنها نافلة خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم: "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا" (الإسراء: 79).
صلاة القيام: لها أيضاً فضل عظيم، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من قام رمضان إيماناً واحتساباً بأنه يغفر له ما تقدم من ذنبه: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).
من حيث العدد
صلاة التهجد: ليس لها عدد محدد، ولكن الأفضل أن تكون ثمان ركعات، كما كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يختمها بالوتر.
صلاة القيام: ليس لها عدد محدد أيضاً، ولكن في رمضان يصلى التراويح عشرين ركعة عند جمهور العلماء، وثماني ركعات عند البعض الآخر.
من حيث الأجر والثواب
صلاة التهجد: ورد في فضلها أن الله تعالى يباهي بالمتهجدين ملائكته، وأنها سبب لدخول الجنة، كما ورد في الحديث: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم" (رواه الترمذي).
صلاة القيام: ورد في فضلها أيضاً أحاديث كثيرة، منها ما سبق ذكره من أن من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
من حيث الارتباط بالزمان
صلاة التهجد: مرتبطة بالليل عموماً، وتتأكد في الثلث الأخير من الليل.
صلاة القيام: مرتبطة بالليل أيضاً، ولكنها تتأكد في شهر رمضان تحديداً.
من حيث الجماعة
صلاة التهجد: الأفضل أن تؤدى فرادى، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه قد يصليها مع بعض أهله أحياناً.
صلاة القيام: يستحب أداؤها جماعة في رمضان (صلاة التراويح)، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بالناس جماعة ليالي، ثم تركها خشية أن تفرض عليهم.
حكم صلاة التهجد والقيام في الشريعة الإسلامية
اتفق العلماء على أن صلاة التهجد وصلاة القيام من النوافل والسنن المؤكدة، وليست واجبة على المسلمين، إلا أنه كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر، ثم خفف عنه وعن أمته، كما قال تعالى: "إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ" (المزمل: 20).
وقد دأب السلف الصالح على المحافظة على صلاة الليل، سواء التهجد أو القيام، لما فيها من قرب من الله تعالى وفرصة للخلوة به واستجابة الدعاء.
نصائح للمحافظة على صلاة التهجد والقيام
- يجب أن تكون النية خالصة لله تعالى، فهو الذي يقبل الأعمال ويثيب عليها.
- ينبغي للمسلم أن ينام مبكراً ليتمكن من الاستيقاظ لصلاة التهجد أو القيام.
- يدعو المسلم ربه أن يعينه على القيام والتهجد وألا يكتبه من الغافلين.
- يبدأ المسلم بعدد قليل من الركعات ثم يزيد تدريجياً حتى يعتاد على ذلك.
- يحافظ على أذكار النوم، ومنها: "اللهم إني أسألك أن توقظني في أحب الساعات إليك".
- الاستعانة بالمنبه: يمكن ضبط المنبه للاستيقاظ في وقت معين من الليل للصلاة.
- الصحبة الصالحة: الرفقة الصالحة تعين على الطاعة، فيمكن الاتفاق مع أحد الأصدقاء أو أفراد الأسرة على التذكير بقيام الليل.
وفي ختام هذا المقال، يتضح لنا أن هناك فروقاً دقيقة بين صلاة التهجد وصلاة القيام، وإن كانت صلاة التهجد جزءًا من صلاة القيام. فالتهجد هو القيام بعد النوم، بينما القيام يشمل أي صلاة في الليل سواء كانت قبل النوم أو بعده. ولكلا الصلاتين فضائل عظيمة ومكانة رفيعة في الشريعة الإسلامية، وهما من أسباب تكفير الذنوب ورفع الدرجات ودخول الجنة.