تُعدّ واقعة حصار الكعبة التي حدثت في عام 1979 من أبرز الأحداث التي غيرت مسار تاريخ السعودية الحديث. فقد شهدت هذه الواقعة استيلاء مجموعة من المسلحين على المسجد الحرام، مما أثار ردود فعل قوية في العالم الإسلامي. في هذا المقال، سنستعرض تفاصيل هذه الحادثة وكيف أثرت على المجتمعات والسياسة في المملكة.
كيف بدأت القصة؟
في فجر يوم 20 نوفمبر عام 1979، تجمع حوالي 50 ألف مسلم لأداء صلاة الفجر في ساحة الكعبة. وبينما كان الحضور مستغرقين في الصلاة، اقتحم جهيمان العتيبي وأتباعه الحرم. استخدموا مكبر الصوت للإعلان عن "ظهور المهدي المنتظر" الذي سيحقق العدالة بعد فترة من الظلم. بدأوا بنشر حالة من الفوضى والرعب عندما اكتشف الحجاج أن النعوش التي جلبوها لم تكن لتكريم الموتى، بل كانت تحتوي على أسلحة.
من هو جهيمان العتيبي؟
جهيمان العتيبي كان شخصية مثيرة للجدل. نشأ في بيئة بدوية وانضم إلى الحرس الوطني السعودي قبل أن يصبح قائدًا لجماعة تُعرف بالسلفية المحتسبة. عُرف بتشدده الديني ورغبته في العودة إلى القيم التقليدية. بعد فترة من القلق السائد في المجتمع السعودي بسبب التغيرات الحياتية الناتجة عن ثروة النفط، قرر جهيمان القيام بهذه العملية كوسيلة للاحتجاج على تلك التغيرات.
تفجير الحادثة
سرعان ما سيطر المسلحون على الحرم المكي، وأصبح الوضع يمثل تحديًا مباشرًا لسلطة آل سعود. تبع ذلك تطورات سريعة حيث حاولت السلطة استعادة السيطرة على المسجد. ومع غياب القادة الرئيسيين في المملكة، استدعت السلطات سلاحًا وتقنيات عسكرية غير مسبوقة. اندلعت مواجهات عنيفة، وارتفعت حصيلة الضحايا خلال الأيام الأولى من الحصار.
ردود الفعل الدولية
تركت حادثة حصار الكعبة أثرًا أكبر من مجرد أحداث محلية، بل كانت نقطة تحول على الساحة الدولية. طلبت الحكومة السعودية المساعدة من دول عديدة، من بينها الحكومة الفرنسية، لدعم قواتها العسكرية واستعادة السيطرة على الحرم. تم استخدام أساليب غير تقليدية، مثل الغاز لمنع المتمردين من التنفس، مما ساهم في إنهاء الحصار.
تداعيات الحصار
تسببت أحداث حصار الكعبة في تغييرات اجتماعية وسياسية عميقة في المملكة. فقد أثار الحصار مشاعر الغضب والرعب، وأدى إلى تعزيز الإجراءات المشددة التي طبقتها الحكومة السعودية بهدف مكافحة الأفكار المتطرفة. لاحقًا، أصبح للسلطتين الدينية والسياسية تأثير أكبر على الحياة اليومية في المملكة.
النتائج طويلة الأمد
التغيرات الفكرية والاجتماعية التي حدثت بعد حصار الكعبة استمرت لأجيال. ومع أن المملكة شهدت تحولات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التاريخ الذي اختزلته تلك الحادثة لا يزال حاضرًا في ذاكرة المجتمع السعودي. لقد أسس الحصار لعصر جديد من التشدد والدعوات للعودة إلى القيم القديمة، مما أثر على مسارات التطور في المجتمع السعودي.
ختام
إن حصار الكعبة ليس مجرد ذكرى من الماضي، بل هو درس حول كيفية تأثير الأحداث الدينية على التاريخ والسياسة. عكست القرارات المتخذة آنذاك صراعًا عميقًا بين التقاليد والحداثة، واستمرت آثارها حتى يومنا هذا، مما يجعلنا نفكر في كيفية تطور المجتمعات أمام الأزمات الكبرى.