الحمد لله الذي أمرنا بالإحسان، وجزى فاعله الأجر وأعلى المنازل في الجنان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أكثر الناس إحسانًا، وأعظمهم خلقًا وإيمانًا.
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، تقوى المحسنين، وتعاملوا مع الناس تعامل الطامعين في رضا الرحمن.
فالإحسان أساس الخلق القويم، ونبراس يهدي إلى الصراط المستقيم. قال تعالى:
"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [النحل: 90].
أيها المسلمون،
اعلموا أن الإحسان من أعظم القربات، وأفضل ما يُتقرب به إلى الله لنيل أعلى درجات الجنان. فقد وعد الله المحسنين بالمحبة والمعية، قال تعالى:
"وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [البقرة: 195].
وقال سبحانه: "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ" [النحل: 128].
والإحسان يشمل القول والعمل، فقد قال الله تعالى:
"وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" [البقرة: 83].
وقال سبحانه: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [الإسراء: 53].
وجاء في الحديث الشريف: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء" [رواه مسلم].
مظاهر الإحسان:
بر الوالدين:
قال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا" [الأحقاف: 15].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت النبي ﷺ: "أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين" [متفق عليه].الإحسان بين الزوجين:
قال النبي ﷺ: "خيركم خيركم لأهله" [رواه الترمذي].
وقال ﷺ: "استوصوا بالنساء خيرًا" [رواه مسلم].الإحسان إلى الجار:
قال ﷺ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره" [متفق عليه].الإحسان إلى اليتامى والمساكين:
قال تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ" [النساء: 36].
وقال النبي ﷺ: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسبابة والوسطى [رواه البخاري].الإحسان في العمل:
قال النبي ﷺ: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه" [رواه الطبراني].
الإحسان في كل شيء:
حتى مع الحيوانات، أمر النبي ﷺ بالرفق بها، وقال لرجل أراد ذبح شاة دون أن يُحسن إعداد الأدوات:
"هلا حدَّدت شفرتك قبل أن تضجعها؟!" [رواه ابن ماجه].
أيها المسلمون،
الإحسان سلوك يفتح القلوب، ويقرب بين الناس، ويُعلي منزلتنا عند الله. فلنتخلق به قولًا وعملًا، ولنحرص على تطبيقه في حياتنا اليومية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي حبب إلينا عون الآخرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله،
إن الإحسان لا يقتصر على جانب دون آخر؛ فهو يشمل الإحسان إلى العمال والموظفين بإيفائهم حقوقهم وعدم المماطلة فيها. قال النبي ﷺ: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" [رواه ابن ماجه].
كما يشمل الإحسان إلى المخطئين بالإعذار لهم والإحسان في الرد، والإحسان في الجدال بالحسنى، والإحسان بالدعاء للمؤمنين أحياءً وأمواتًا.
فلنحرص على أن نكون من المحسنين في كل أحوالنا، فإن الإحسان دليل على الإيمان، وسبيل للفوز برضا الرحمن.
وصلوا وسلموا على نبيكم الكريم، فقد أمركم الله بذلك فقال:
"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اجعلنا من المحسنين في القول والعمل، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين.
آمين.