📁 آخر الأخبار

 في مثل هذا اليوم، التاسع من أكتوبر عام 1981، أتذكر تلك اللحظة التي زرت فيها بيت جدتي "فريزة" في حي الشجاعية بغزة، حيث كنت أراقب من نافذة حجرتها المقبرة التي تشرف عليّ، وقد نُقشت على شواهد القبور أحرف الأسماء. فجأة دق جرس الهاتف، حاملاً خبر استشهاد أخي "ماجد"، بينما كانت أصوات المذيع من إذاعة "مونت كارلو" تردد أحداث الانفجار في روما. 

 

ذكرى رحيل ماجد

 

اضطربت الأجواء، وضجت الأرض، وتعالت الأصوات بين مصدق وذهول حيث حطّ على ملامح من حولي. أخذتنا العربة من الشجاعية إلى شارع الوحدة، ثم شارع فلسطين، إلى بيت تركنا فيه والدنا، الذي لم يفارق جهاز الراديو وسماع نشرات الأخبار على مدار الساعة. كان يجلس في شرفة البيت، والمذياع على حافة الشرفة، مستعداً ليكمل ما تبقى له من عمل في حديقة بيتنا وسط داليات العنب، وأشجار الزيتون، والبرتقال.

كان صوت المذياع يصل إليه، يمزق قلبه، وتذوي روحه عند سماع خبر استشهاد ابنه وحبيبه "ماجد". كان يقيم على أطراف حديقة بيتنا، يحث الخطى في ممراتها، يقف ثم يعود، يصارع الفكرة ويودّ لو يقتل الأحداث؛ فهو لا يعترف بها، ولا تصل إليه.

وصلنا إلى بيتنا، وكان وكأنه غاب عنا، صار بعيدًا كأنه يريد الوصول إلى آخر محطة وقف عندها ماجد. لم نستطع الاقتراب منه، فقد أغرقه الحدث في قاع بئر حزين، لعله يجد ما تبقى من رجع صدى صوت حبيبه هناك، في بئر البستان حيث "دورا" تمد له يدها وتنشله، ليعود إلينا وإلى أحبته.

ركن إلى الصمت، غاب عنا إلى زوايا منسية لن نعرف الوصول إليها. اقترب الفجر، وملأ وادي العتمة حاجياته ليمر عبر نهر الأردن، ينشد الوصول إلى الضفة الشرقية. وقف غارقًا في صمته خلف الشباك، وقدم أوراقه، ختم له المجند بختم الخروج. ما إن عبر النهر حتى جاءت التعليمات بعدم السماح لأحد من أهل "ماجد" بعبور النهر كي لا يودعوه الوداع الأخير.

مضى أبي إلى "بيروت" حيث أخذوه إلى مقابر الشهداء، أودع الثرى، ومن أتون صمته عاد إلى ضفة النهر، ينشد الوصول إلى المسجد الإبراهيمي في "الخليل". هناك التقيت به وقد أتم صلاته، اقتربت منه، وقبلت يده، ربت على كتفي.

"هناك أودعته، بنيتي"، قال، "يلفه صندوق معدني كي أستعيده من جديد وأعيده إلى تراب وطنه، يُدفن كما كان يتمنى تحت شجرة بلوط حيث "دورا" هناك..."

اليوم، في ذكرى رحيل ماجد، لا يزال هناك، لم يعبر النهر، وشجرة البلوط لا تزال تشدو ترنيمة من روح وطن ينتظر عودته القريبة.

بشرى أبو شرار
9/10/2024

المستشار التربوي
المستشار التربوي
أنا شغوف بتحسين التعليم وإثراء المحتوى الإعلامي. بدأت هذا الاهتمام منذ سنوات عديدة عندما لاحظت الفجوة الكبيرة بين ما يُدرس في المدارس وما يحتاجه الطلاب لمواجهة تحديات الحياة الحديثة. لهذا السبب، قررت أن أكرس حياتي المهنية لتطوير استراتيجيات تعليمية مبتكرة وتقديم استشارات فعالة للأفراد والمؤسسات. إذا كنت تشارك نفس الاهتمام أو تحتاج إلى استشارات في مجال التعليم أو الإعلام، فلا تتردد في التواصل معي. أنا هنا لمساعدتك ودعمك في رحلتك التعليمية والإعلامية.
تعليقات