📁 آخر الأخبار

خطبة منبرية بعنوان {لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَولِ}

الحمد لله المبدئ المعيد، خلق الخلق وأمرهم بأن يقولوا القول السديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب الخلق الحميد، والمتصف بالقول الرشيد، وعلى آله وأصحابه أهل الفضائل والمناقب.

أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-، وأحسنوا في أقوالكم؛ فإن ذلك صلاح للأعمال ومغفرة للذنوب. يقول الله جل وعلا: 

 


 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أيها المؤمنون:

يقول الله تعالى:

﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّؤِ قَوْلٍ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾.

لقد بينت هذه الآية الكريمة أن الله تعالى يحب القول الحسن ويدعو إليه، ولا يحب أن يتحدث الإنسان بألفاظ قبيحة، ولا أن ينطق بشيء من القول السيئ، فقد أمر نبيه أن يأمر الناس بذلك حفظًا لهم من نزغ الشيطان ووسوسته. يقول الله تبارك وتعالى:

﴿قُل لِعِبَادِي قُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.

وقد وصف سبحانه الكلمة الطيبة بقوله:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾【قرآن 14: 24】.

أيها المسلمون:

يبين لنا رسول الرحمة والهدى أن أعظم الأقوال والأعمال يوم القيامة ما غلف بحسن الخلق، ويخبرنا كذلك أن أبغض الأقوال والأفعال عند الله تعالى الفاحش البذيء. فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن الرسول ﷺ قال:

"أثقل شيء في ميزان المؤمن يوم القيامة حسن الخلق، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء."

وليس فحش القول والتجرؤ على الناس بالقول السيئ من صفات المؤمن ولا شمائله. فإن النبي ﷺ يقول:

"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء."

فكن أيها الموفق من أهل العزم الذين يمسكون ألسنتهم عن غير اللائق من القول، واستجب لله تعالى إذ قال:

﴿وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.

عباد الله:

إن رد الإساءة بالإحسان، وإيتاء الخير، وكظم الغيظ، والعفو عمن أخطأ، من شيم المؤمنين وصفات الأبرار. أما ترى أيها اللبيب أنهم استجابوا لله تعالى إذ أمرهم بقوله:

﴿إِنْ تَكُنْ لَهُ خَيْرَاتٌ تُخْفُوهَا أَوْ تعفُوا عَنْ سُوءَ أَفَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًا قَدِيرًا﴾.

وتذكر أن

﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ۖ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾【قرآن 41: 34】.

فاتقوا الله عباد الله، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموت والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.


الخشعة لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وجعل الليل والنهار خلفة، فتذكر أولو الألباب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه الصادق الأواب، وعلى آله وأصحابه المحسنين في الخطاب.

أما بعد يا عباد الله:

اعلموا - جعلكم الله من أهل التوفيق - أن تمام العبادات وملاك القريات أن يحفظ المرء لسانه؛ فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه يسأل النبي هذا سؤالًا فيقول: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال:

"لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من ييسّر الله عليه."

ثم بين له الرسول ﷺ أصول العبادات وأنواع الطاعات التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في جميع الأوقات، ثم قال له:

"ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا رسول الله. قال: فأخذ بلسانه.

"كَفَّ عَلَيْكَ هَذَا." فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال:

"ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟"

كن أيها العبد الصالح وأنت تتكلم متذكرًا أن الله يسمعك، ويعلم ما يدور في صدرك، وإنه سميع عليم. وغالب نفسك بالعفو عن زلات الناس؛ فليس جزاء ذلك إلا العفو عنك من الله القدير.

وتذكر أن المؤمنين إخوة كما وصفهم ربهم، فلا تنزعغ غلك لباس الأخوّة بما يجلب الشقاق. فإن الله تعالى يقول:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾【قرآن 49: 10】.

فاتقوا الله -عباد الله-، وتذكروا أنكم عائدون إلى الله، فزنوا أقوالكم وأعمالكم:

واتّقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون【قرآن 2: 281】.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال:

"إن الله وملائكته يصلون على النبي. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا."【أحمد】.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم.

اللهم اغفر لنا ولي الخلفاء الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات. واجعل جمعنا هذا جمعًا مبرورًا، واجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ولا تدع فينا شقيًا ولا محروما.

المستشار التربوي
المستشار التربوي
أنا شغوف بتحسين التعليم وإثراء المحتوى الإعلامي. بدأت هذا الاهتمام منذ سنوات عديدة عندما لاحظت الفجوة الكبيرة بين ما يُدرس في المدارس وما يحتاجه الطلاب لمواجهة تحديات الحياة الحديثة. لهذا السبب، قررت أن أكرس حياتي المهنية لتطوير استراتيجيات تعليمية مبتكرة وتقديم استشارات فعالة للأفراد والمؤسسات. إذا كنت تشارك نفس الاهتمام أو تحتاج إلى استشارات في مجال التعليم أو الإعلام، فلا تتردد في التواصل معي. أنا هنا لمساعدتك ودعمك في رحلتك التعليمية والإعلامية.
تعليقات