📁 آخر الأخبار

خطبة جمعة مكتوبة بعنوان: قمة التوحيد

الحمد لله الكبير المتعال، المنزه عن الشبيه فيما له من جمال وجلال وكمال. نحمده تعالى ونشكره، ونستعينه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، إمام الموحدين وسيد المرسلين، والواثق بما جاء عن رب العالمين، صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاما يتعاقبان ما تعاقبت الليالي والأيام، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

قمة التوحيد

 

أما بعد، أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، إن تحقيق مقاصد تسديد التبليغ الذي يدعو إليه العلماء على الصعيد الوطني لإصلاح الأحوال، وإسعاد الناس في الحال والمآل منوط بمدى التخلق بأخلاق الإيمان، والتحلي بأوصاف الموحدين المفوضين إلى الله تعالى أمورهم، والراضين عن الله بالله في كل ما يأتون ويذرون.

مصداقًا لقول النبي ﷺ لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

*"يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف."*

معاشر المؤمنين، هذا الحديث يصفه العلماء بأنه قمة التوحيد، وذلك لما يتضمنه من المعاني السامية والمضامين العالية التي تسعد المؤمن وتجعله متوكلاً على الله في كل أموره، مفوضًا له في سره وعلانيته، متحررًا من الخوف والهلع واليأس والقنوط، معرضًا عن وساوس النفس والشيطان، واثقًا بربه عز وجل فيما وعده به من الحفظ إذا حفظ دينه.

وهذه هي بعض معاني: احفظ الله يحفظك، أي احفظ حدود الله في أمره ونهيه، يحفظك في دينك ودنياك وآخرتك. احفظ الله تجده تجاهك، أي أمامك كلما دعوت الله استجاب دعوتك، فلا تجعل الذنوب حجابًا بينك وبينه. وإذا سألت فاسأل الله، لأنه تعالى لا مكره له، ولا أحد يمنعه من أن يعطيك. وإذا استعنت في أمر من الأمور، فاستعن بالله، فهو نعم المعين، كما تكرر دائمًا في فاتحة الكتاب:

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُۖ﴾.

واعلم يقينًا أن الناس جميعًا لو اجتمعوا على أن يضرواك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.

ولذلك طمأن الرسول ﷺ صاحبه أبا بكر الصديق رضي الله عنه في غار ثور فقال له:

﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اَللهَ مَعَنَاۖ﴾.

إن الله معنا بالعصمة وبالحفظ والنصرة والمعونة. ومن كان معه الله، فمعه الفئة التي لا تغلب، فهي معية مخصوصة، وإلا فهو تعالى مع كل واحد من خلقه.

فالله يملك أزمة الأمور، وهو الضار النافع سبحانه، وليس لأحد معه في ذلك شيء.

فاتقوا الله، عباد الله، وثقوا بوعده، تفوزوا في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية

الحمد لله المجزي عن الإحسان إحسانًا، المغني من فضله من أكرم ذا الشيبة منة ورضوانًا، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله، إن من الإيمان والعمل الصالح الذي جاءت به شريعة الإسلام العناية بالمسنين وكبار السن، الذين هم في حاجة إلى الرعاية والعناية المليئة بالعطف والحنان والرحمة والرفق وكل خصال الخير.

كيف لا، والقرآن الكريم نوه بشأنهم وجازى من رعى حقهم خير الجزاء، كما في قوله تعالى حكاية عن بنات شعيب عليه السلام:

﴿لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرُّعَاةُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌۖ فَسَقَيْنَا لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فقيرٌۖ﴾.

وخلاصة الآية أن موسى عليه السلام سقى لامرأتين غنمهما إكرامًا لأبيهما الكبير، وجوزي موسى عليه السلام على حسن صنيعه وجميل فعله في الدنيا والآخرة.

وأما السنة فقد ورد فيها من الأحاديث والوصايا بكبار السن والوالدين وغيرهم الشيء الكثير، نذكر منها:

قول النبي ﷺ:

*"إن من تعظيم جلال الله، عز وجل إكرامَ ذي الشيبة في الإسلام، وإن من تعظيم جلال الله إكرامَ الإمام المقسط."*.

فهذا الحديث يفيد أن من أكرم الشخص المسن في الإسلام فقد بلغ الغاية في تعظيم الله تعالى وإجلاله، وهذا كاف في بيان قيمة رعاية المسنين والإحسان إليهم بأي نوع من أنواع الإحسان، فعلاً كان أو قولاً، أو ابتسامة في وجهه.

ومن ذلك أيضًا قول النبي ﷺ:

*"ما أكرم شاب شيخًا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه."*.

وفيه الجزاء من جنس العمل؛

﴿هَلْ جَزَآءُ الإحسانِ إِلَّا الإحسانُ؟﴾.

ومن ذلك كذلك قوله ﷺ:

*"البركة مع أكابركم."*.

يعني في خدمتهم والسهر على توقيرهم وتقديم الخدمات الضرورية لهم، ففي ذلك الخير كله.

وقال ﷺ، في مقابل ذلك على سبيل التنفير من الإساءة إلى كبار السن:

*"من لم يرحم صغيرنا ويعرفْ حق كبيرنا فليس منا."*.

فنفى النبي ﷺ أن يكون على سنته وهديه من لم يرحم الصغار ولم يوقر الكبار من الوالدين وغيرهم، ولم يعرف للناس حقوقهم في المودة والرحمة والبر والإحسان.

عباد الله، إن العمل بهذه الآيات والأحاديث في توقير الكبار والمسنين بدءًا بالوالدين والأقارب وكل من يسر الله لك اللقاء بهم من صميم ما تهدف إليه خطة تسديد التبليغ، من إشاعة الرحمة بين الناس ورفع الحرج والعنت عنهم، حتى يعيش الجميع حياة طيبة، كما وعد بها الله تعالى في القرآن الكريم:

﴿مَن عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على سيدنا محمد، اللهم اجعلنا من المخلصين في عبادتك.

المستشار التربوي
المستشار التربوي
أنا شغوف بتحسين التعليم وإثراء المحتوى الإعلامي. بدأت هذا الاهتمام منذ سنوات عديدة عندما لاحظت الفجوة الكبيرة بين ما يُدرس في المدارس وما يحتاجه الطلاب لمواجهة تحديات الحياة الحديثة. لهذا السبب، قررت أن أكرس حياتي المهنية لتطوير استراتيجيات تعليمية مبتكرة وتقديم استشارات فعالة للأفراد والمؤسسات. إذا كنت تشارك نفس الاهتمام أو تحتاج إلى استشارات في مجال التعليم أو الإعلام، فلا تتردد في التواصل معي. أنا هنا لمساعدتك ودعمك في رحلتك التعليمية والإعلامية.
تعليقات