بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف
ليوم: 9 ربيع الأول 1446هـ، الموافق لـ 13 شتنبر 2024م
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، نحمده ـ سبحانه ـ حمد المقرين المذعنين، ونشكره شكر العارفين المحبين، ونستغفره استغفار التائبين المنيبين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة رحمة للعالمين، ونعمة مسداة للخلق أجمعين، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فيا أيها الإخوة المؤمنون، يقول الله تعالى في محكم تنزيله:
﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٞ مِّنَ اَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُومِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞۖ﴾[1].
عباد الله: بمناسبة ذكرى مولد الرسول ﷺ، التي تحل بنا وبالأمة الإسلامية جمعاء، نقف عند مضامين هذه الآية الكريمة التي تبرز لنا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالته لأمته، حيث قال الله جل شأنه واصفا حال نبيه صلى الله عليه وسلم، وموجها الخطاب إلى الناس كلهم للاهتداء بهديه:
﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٞ مِّنَ اَنفُسِكُمْ﴾
وفي ذلك إشارة إلى رحمة الله بالعباد؛ إذ أرسل إليهم رسولا منهم؛ ليتخذوه قدوة لهم، يقتفون أثره، وينهجون نهجه، ثم وصفه بقوله عز من قائل:
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾
أي: يشق عليه ﷺ، ما كان فيه الناس من العنت والحرج والضيق،
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم ﴾
أي: مشفق عليكم، وحريص على إسعادكم وإخراجكم من كل ما يسوءكم إلى كل ما يسركم، كما قال نبينا ﷺ من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه:
«إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تَقَحَّمُونَ فيه»[2].
وختم الحق سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله:
﴿¸بِالْمُومِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞۖ﴾
فوصف نبيه محمدا ﷺ بهذين الوصفين العظيمين: الرأفة والرحمة. وهو ﷺ الرحمة المهداة.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى في آية أخرى:
﴿وَاعْلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اَ۬للَّهِۖ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِے كَثِيرٖ مِّنَ اَ۬لَامْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اَ۬للَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ اُ۬لِايمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِے قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ اُ۬لْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَۖ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لرَّٰشِدُونَ (7) فَضْلاٗ مِّنَ اَ۬للَّهِ وَنِعْمَةٗۖ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞۖ﴾[3].
عباد الله: يتبين من خلال هاتين الآيتين أن رسالة الرسول ﷺ ملخصة في مجيئه لرفع العنت والحرج عن الناس، وللشفقة عليهم والرأفة والرحمة بهم، وذلك من خلال ما جاء به من الإيمان والتوحيد المحرر من شهوة النفس وسلطان الهوى وإغواء الشيطان، وبتصفية البواطن من الأغيار، وتخليصها للواحد القهار، وما جاء به من العمل الصالح المتضمن القيام بالواجب في حق الله وحق العباد، والأخلاق الكريمة الكفيلة بتزكية النفوس، وتحسين المعاملة وإشاعة الرحمة والرأفة بين الناس؛ تحقيقا للحياة الطيبة الموعودة في القرآن الكريم.
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الصادق الوعد الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، عباد الله، إن مما ينبغي التذكير به في هذه المناسبة الدينية الكبرى، المجددة لمحبة سيدنا محمد ﷺ، في القلوب، والحاملة على اتباعه في العبادة والمعاملة والسلوك، هو ما مدى تمثل هذه الصفات المذكورة في الآية الكريمة السالفة الذكر، في حياة الناس؟ فمنها يستمدون خلق الرحمة والرأفة، لا سيما العلماء منهم الذين اختارهم الله تعالى لأداء أمانة ميراث النبوة، وما يكتنزه من خلق الرحمة والرأفة، وذلك بتوعية العباد، والرفق بهم، والتيسير عليهم، ورفع الحرج والمشقة عنهم، وإفهامهم مراد الشرع من خلال الإيمان والعمل الصالح؛ لتحقيق الحياة المطمئنة لهم.
إن ما يقوم به العلماء في هذه المناسبة الجليلة من قسمة ميراث النبي ﷺ، الذي لا يُخافُ عليه العَوْلُ ولا الحَجْبُ؛ إذ هو العلم بسيرة الرسول ﷺ وشمائله وحقوقه وخصائصه وحليته ودلائله، وما تزين به المجالس من الصلوات والتسليمات عليه ﷺ، والمدح لجنابه الشريف بما يليق بمكانته ومقداره العظيم، كل ذلك يصب في ما تتوخاه خطة تسديد التبليغ من إسعاد العباد بالتحلي بسيرة خير العباد، حتى يحققوا في أنفسهم ومجتمعهم حياة طيبة، مصداقا لقول الله تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاٗ مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪يٰ وَهُوَ مُومِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَۖ﴾[4].
ألا فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا فضل الله وآلاءه عليكم ببعثة نبيه ﷺ فيكم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأكثروا من الصلاة والتسليم على من أعطيت له الشفاعة العظمى في اليوم الموعود، وعقد له في عرصات القيامة اللواء المعقود، وتواردت عليه أمته على الحوض المورود، صلى الله عليه وسلم عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته، ورضي الله تعالى عن آل بيته الطاهرين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وعن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحابة أجمعين، ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم بما حفظت به الذكر الحكيم، وأعد عليه أمثال هذه المناسبة بتمام الصحة وجميل العافية، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة إنك سميع مجيب.
وتغمد اللهم بواسع رحمتك وعظيم جودك الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك، مع المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
وارحم اللهم آباءنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
[1] - التوبة 129.
[2] - صحيح مسلم، رقم: 2284، رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 3922
[3] - الحجرات 7-8.
[4] - النحل 97.